قال الله تعالى ( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون )
وقال تعالى ( خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) في غير ما آية من القرآن
وقد اختلف المفسرون في مقدار هذه الستة الأيام على قولين
فالجمهور على أنها كأيامنا هذه
وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك وكعب الأحبار إن كل يوم منها كألف سنة مما تعدون رواهن ابن جرير وابن أبي حاتم واختار هذا القول الإمام أحمد ابن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية وابن جرير وطائفة من المتأخرين والله أعلم وسيأتي ما يدل على هذا القول
وروى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم وغيره أن أسماء الأيام الستة أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت وحكى ابن جرير في أول الأيام ثلاثة أقوال نروى عن محمد بن إسحاق أنه قال يقول أهل التوراة ابتدأ الله الخلق يوم الأحد ويقول أهل الإنجيل ابتدأ الله الخلق يوم الإثنين ونقول نحن المسلمون فيما انتهى إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ الله الخلق يوم السبت وهذا القول الذي حكاه ابن إسحاق عن المسلمين مال إليه طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم وسيأتي فيه حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت
والقول بأنه الأحد رواه ابن جرير عن السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن جماعة من الصحابة ورواه أيضا عن عبدالله بن سلام واختاره ابن جرير وهو نص التوراة ومال إليه طائفة آخرون من الفقهاء وهو اشبه بلفظ الأحد ولهذا كمل الخلق في ستة أيام فكان آخرهن الجمعة فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع وهو اليوم الذي أضل الله عنه أهل الكتاب قبلنا كما سيأتي بيانه إن شاء الله وقال تعالى ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ) وقال تعالى ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم )
فهذا يدل على أن الأرض خلقت قبل السماء لأنها كالأساس للبناء كما قال تعالى ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ) قال تعالى ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا إلى أن قال وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا ) وقال ( أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) أي فصلنا ما بين السماء والأرض حتى هبت الرياح ونزلت الأمطار وجرت العيون والأنهار وانتعش الحيوان ثم قال وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون أي عما خلق فيها من الكواكب الثوابت والسيارات والنجوم الزاهرات والأجرام النيرات وما في ذلك من الدلالات على حكمة خالق الأرض والسموات كما قال تعالى ( وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فأما قوله تعالى ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم ) فقد تمسك بعض الناس بهذه الآية على تقدم خلق السماء على خلق الأرض فخالفوا صريح الآيتين المتقدمتين ولم يفهموا هذه الآية الكريمة فإن مقتضى هذه الآية أن دحى الأرض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء وقد كان ذلك مقدرا فيها بالقوة كما قال تعالى ( وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ) أي هيأ أماكن الزرع ومواضع العيون والأنهار ثم لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي دحى الأرض فأخرج منها ما كان مودعا فيها فخرجت العيون وجرت الأنهار ونبت الزرع والثمار ولهذا فسر الدحى بإخراج الماء والمرعى منها وإرساء الجبال فقال والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها وقوله ( والجبال أرساها ) أي قررها في أماكنها التي وضعها فيها وثبتها وأكدها وأطدها وقوله ( والسماء بنيناها بايد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) بايد أي بقوة وأنا لموسعون وذلك أن كل ما علا اتسع فكل سماء أعلى من التي تحتها فهي أوسع منها ولهذا كان الكرسي أعلى من السموات وهو أوسع منهن كلهن والعرش أعظم من ذلك كله بكثير وقوله بعد هذا والأرض فرشناها أي بسطناها وجعلناها مهدا أي قارة ساكنة غير مضطربة ولا مائدة بكم ولهذا قال ( فنعم الماهدون ) والواو لا تقتضي الترتيب في الوقوع وإنما يقتضي الإخبار المطلق في اللغة والله أعلم
وقال البخاري حدثنا عمر بن جعفر بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال أقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي تقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها هكذا رواه هاهنا وقد رواه في كتاب المغازي وكتاب التوحيد وفي بعض ألفاظه ثم خلق السموات والأرض وهو لفظ النسائي أيضا وقال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا حجاج حدثني ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبدالله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاث وخلق النور يوم الأربعاء وبث الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر خلق خلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل وهكذا رواه مسلم عن سريج بن يونس وهرون بن عبدالله والنسائي عن هرون ويوسف بن سعيد ثلاثتهم عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور عن ابن جريج به مثله سواء وقد رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن محمد بن الصباح عن أبي عبيدة الحداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع وخلق التربة يوم السبت وذكر تمامه بنحوه فقد اختلف فيه على ابن جريج وقد تكلم في هذا الحديث على ابن المديني والبخاري والبيهقي وغيرهم من الحفاظ قال البخاري في التأريخ وقال بعضهم عن كعب وهو أصح يعني أن هذا الحديث مما سمعه أبو هريرة وتلقاه من كعب الأحبار فإنهما كان يصطحبان ويتجالسان للحديث فهذا يحدثه عن صحفه وهذا يحدثه بما يصدقه عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكد رفعه بقوله أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم في متنه غرابة شديدة فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السموات وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام وهذا خلاف القرآن لأن الأرض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السموات في يومين من دخان وهو بخار الماء الذي ارتفع حين اضطرب الماء العظيم الذي خلق من ربذة الأرض بالقدرة العظيمة البالغة كما قال إسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات قال إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين الأحد والإثنين وخلق الأرض على حوت وهو النون الذي قال الله تعالى ( نون والقلم وما يسطرون ) والحوت في الماء والماء على صفات والصفات على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك الحوت فاضطرب
فتزلزت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت وخلق الله يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من المنافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب وفتق السماء وكانت رتقا فجعلها سبع سموات في يومين الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها ثم قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والبحار وجبال البرد وما لا يعلمه غيره ثم زين السماء بالكواكب فجعلها زينة وحفظا يحفظ من الشياطين فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش هذا الإسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة وكان كثير منها متلقي من الإسرائيليات فإن كعب الأحبار لما أسلم في زمن عمر كان يتحدث بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأشياء من علوم أهل الكتاب فيستمع له عمر تأليفا له وتعجبا مما عنده مما يوافق كثير منه الحق الذي ورد به الشرع المطهر فاستجاز كثير من الناس نقل ما يورده كعب الأحبار لهذا ولما جاء من الأذن في التحديث عن بني إسرائيل لكن كثيرا ما يقع مما يرويه غلط كبير وخطأ كثير
وقد روى البخاري في صحيحه عن معاوية أنه كان يقول في كعب الأحبار وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب أي فيما ينقله لا أنه يتعمد ذلك والله أعلم
ونحن نورد ما نورده من الذي يسوقه كثير من كبار الأئمة المتقدمين عنهم ثم نتبع ذلك من الأحاديث بما يشهد له بالصحة أو يكذبه ويبقى الباقي مما لا يصدق ولا يكذب وبه المستعان وعليه التكلان
قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا مغيرة بن عبدالرحمن القرشي عن أبي زناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي وكذا رواه مسلم والنسائي عن قتيبة به ثم قال البخاري ............